يقول مولانا العارف بالله تعالى احمد رضوان رضى الله عنه :- إذا أراد الله بعبده خيراً قيض له حالاً يسوقه إلى عارف بالله، والحمد لله فإن العارفين به كثيرون في هذه الدنيا، فمتى اتصل العبد بأحد العارفين عرف حاله وما يحتاج إليه في سيره إلى الله وأعطاه الدواء الناجح لشفاء روحه وزوده بكل ما يحتاجه في طريق الله حتى يصل إلى ربه، وبذلك يتحقق له الفوز في الدنيا والآخرة ويكون نبراساً للهدى.

أخر المواضيع

وحدة الوجود



وحدة الوجود
قال الشيخ رضى الله عنه وارضاه :
إن الله تعالى ما انفصل عن شيء، وما دخل في شيء، ولا يقبل المثلية، فلا نظير ولا ند ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4))) فلو خرج منه شيء، أو دخل في شيء، لا يكون إلهاً.
ووحدة الوجود هي نسبة الأشياء الكونية كلها إلى الله، سواء كانت علوية أو سفلية، في الدنيا أو في الآخرة، وقد قيل في ذلك: أن الأشياء ثابتة بإثباته إياها، وأنها ممحوة بأحدية ذاته، فلولا قيامه بها لم تقم لها قائمة، إذ لا وجود لها عن نفسها.
ولذلك قال احد الصالحين:
كم لا وجود لذاته من ذاته *** ... فوجوده لولاه عين محال
هذه الوحدة لا تكون إلا في الإنسان الكامل، وهو الجامع للحقيقة والشريعة، اى الجامع بين الحق والخلق، وهو الذي يكون وصل إلى الله جل شأنه بعد أن يكون تم فناؤه فيه، ومنح الدية الإلهية، كما في الحديث القدسي المشار إليه ((من عرفني أحبني، ومن أحبني عشقني ...... الخ)).
وهو العبد الرباني في الحديث القدسي ((عبدي اطعني أجعلك عبداً ربانياً تقول للشيء كن فيكون)) وفى الحديث القدسي الذي يقول الله فيه ((لا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها أو كنته)).
ومثل قول الحلاج: ما في الجبة إلا الله!!.
ومثلما قال السيد محمد على وفا في تعريفه العارف بالله ((المخصوص بالعطاء الأعظم)) وهو الذي يستحق الدية الإلهية في الحديث القدسي الذي تناولناه.
فوحدة الوجود: نسبة الأشياء الكونية العلوية والسفلية والجنة والدنيا والآخرة لله، فهو سبحانه وتعالى ما انفصل عن شيء وما دخل في شيء، وما خرج منه شيء، فإن الأشياء كلها لله.
وقال بعض العارفين:
إن الوجود وان تعدد ظاهراً *** وحياتكم ما فيه إلا انتمو


انتم حقيقة كل موجود بدا *** ووجود هذى الكائنات توهم
وقد جمع الله في الإنسان ما في الكون من ملك وفلك ونور، ففيه العالم العلوي والسفلى
وقال احد العارفين:
إذا كنت كرسياً وعرشاً وجنة *** وناراً وأفلاكا تدور وأملاكا
وكنت من السر المصون حقيقة *** وأدركت ذاك بالحقيقة إدراكا
ففيم التأني في الحضيض تثبطا *** مقيماً مع الأسرى أما آن إسراكا
وقال بعضهم:
وما تجلى من أحب تكرما *** واشتهى ذاك الجناب المعظما
تعرف لي حتى تيقنت اننى *** أشاهد جهراً لا أراه توهما
وما هو في وصلى بمتصل ولا *** بمنفصل عنى وحاشاه منهما
ولكن كبدر ألثم يظهر نوره *** بصفو غدير وهو في أفق السما
والحلاج رمز إلى محبوبة وهو في ترقيه للوصل والجمع والفناء والقرب بالنسبة إليه هو، وقد حسده جماعة وقتلوه، وكلام القوم في هذا الباب اعجمى على من لم يذق طعم كلامهم، ويجب حسن الظن بهم، ولذا قال ابن عربي ((كتبنا سم على من لم يعرف اصطلاحنا، ويذق أذواقنا))
((فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ)) (آل عمران 7)
ويجوز ضرب المثَل على الله لا المِثل ((مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ)) نوره الذي ادخله في قلب عبده المؤمن، فانه متوقد ومضيء، فلما توقد القلب صار فيه ((لا اله إلا الله)) اى وقع هذا النور في لا اله إلا الله، فالتشبيه يجوز للأشياء العرشية.
((زَيْتُونَةٍ)) خاطبنا بما نعقل ونفهم
((لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ)) هي محمدية عرشية إلهية
((يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ)) هو الإيمان والإسلام
((وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ)) في وضوح وتبيان يعقله من أناب ورجع إلى الله.
فإن لكل عارف في كل أية فهماً على حسب ترقيه، يأخذه من علم الله، ولذلك فان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسألوه عن معاني آيات القرآن، وإنما كان إذا قرأ آية فهموها بقلوبهم.


وقد يعطى الله بعض علومه للأرقى على شاكلة الأرزاق للناس في الدنيا.
فالأرزاق متفاوتة في الماديات والروحانيات، فقد يكون عند العالي علوماً لا تكون عند الأعلى مثل سيدنا الخضر وسيدنا موسى، ومثل الهدهد وسيدنا سليمان ((أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)) (النمل 22).
فعليك أيها الأخ أن تتوجه بكليتك وتصلح آنية قلبك، وتجالس الصالحين بأدب للتلقي عنهم، فان من جالسهم بأدب رشحوا عليه من فيض الله، فأذاقوه لذة العبودية ولذة القرب من فيض الله فإنهم يتصدقون من فيضه تعالى، وقد ربط الله البعض بالبعض،
والكل بالكل، والمكمل بالكامل، لتمام النفع وتحقيق الخير.
وعلى المريد أن يتخلى عن علمه وعن كسبه قبل أن يتتلمذ على شيخه فإن من دخل بعمله أو بعلمه حرم المدد والعطاء، وقد قال ابن الفارض في المعتز بعمله أو بعلمه أو بجاهه:
أتيت بيوتاً لم تنل من ظهورها *** وأبوابها عن قرع مثلك سدت
وبين يدي نجواك قدمت زخرفا *** تروم به عزاً مراميه عزت
وجئت بوجه أبيض غير مسقط *** لجاهك في داريك حاطب صفوتي
ولو كنت بى من نقطة الباء خفضة *** رفعت إلى ما لم تنله بحيلة
بحيث ترى ألا ترى ما عددته *** وان الذي أعددته غير عدة
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى *** ولكنها الأهواء عمت فأعمت
فلم تهوني ما لم تكن فىَّ فانياً *** ولم تفن ما لا تجتلي فيك صورتي
فدع عنك دعوى الحب وادع لغيره *** فؤادك وادفع عنك غيك بالتي
وجانب جناب الوصل هيهات لم يكن *** وها أنت حي إن تكن صادقاً مت
هو الحب إن لم تقض له مأربا *** من الحب فاختر ذاك أو خل خلتي
وعلى قدر الأدب في مجالسة الصالحين يكون العطاء، ولأمر ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسر إلى بعض أصحابه علم الأحوال، بينما علم الشريعة ابلغه للكل.
أما علم سر القدر فلم يبلغه لأحد رحمة بالأمة.
الحمد لله الذي جعلنا من أمته وأدخلنا في رحمته.

فما من مؤمن ولا مؤمنة إلى وصل إليه نور من نوره - صلى الله عليه وسلم -،فلو ذهب هذا النور لعم الكفر، وقد أبقاه الله بالمدينة ولم يرفعه رحمة بأهل الأرض جميعاً ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) (الأنبياء 107). فإذا كان الله عز وجل لم ينتقم من المشركين فى مكة إكراماً لرجال مؤمنين ونساء مؤمنات مخفيين لا يعلمهم أحد ((وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) (الفتح 25) فوجوده - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالم كله ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)) (الأنفال 33).
******