يقول مولانا العارف بالله تعالى احمد رضوان رضى الله عنه :- إذا أراد الله بعبده خيراً قيض له حالاً يسوقه إلى عارف بالله، والحمد لله فإن العارفين به كثيرون في هذه الدنيا، فمتى اتصل العبد بأحد العارفين عرف حاله وما يحتاج إليه في سيره إلى الله وأعطاه الدواء الناجح لشفاء روحه وزوده بكل ما يحتاجه في طريق الله حتى يصل إلى ربه، وبذلك يتحقق له الفوز في الدنيا والآخرة ويكون نبراساً للهدى.

أخر المواضيع

فضل الجلوس مع الصالحين

 
سمات الصالحين :
الأدب والتواضع من سمات العلماء بالله، والكِبر ليس من صفاتهم، والعزة بغير الله حرام. والكِبر لابد وأن يكون له أثر مُخرب في الجسم والروح.
وهناك علماء من قبائل معروفة لا ينفقون لأن كلاً منهم متعالٍ على أخيه، معتز بقبيلته وسمعته، لذلك يهتم كل منهم بتجهيل الآخر، لا بالعلم، والذي يريد أن ينفع الناس عليه أن يترك نفسه لله. سيدنا (يونس) عليه السلام لما ذهب مغاضباً ابتلعه الحوت {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} سورة الحج 14. وكم نصحنا الناس ولكن ربنا يُنسيهم النصيحة ليلاقوا ما قدره الله لهم. إن الرجل الصالح الناجي هو الذي يسعه بيته، ويبكي على خطيئته كما قال (النبي) صلى الله عليه وسلم وهو الذي يستغفر ربه ولا يجلس مع إخوان السوء ولا يرى لنفسه فضلاً على أحد فإن الفضل كله لله.

فضل الجلوس مع الصالحين :
- إذا أراد الله بعبده خيراً قيض له حالاً يسوقه إلى عارف بالله، والحمد لله فإن العارفين به كثيرون في هذه الدنيا، فمتى اتصل العبد بأحد العارفين عرف حاله وما يحتاج إليه في سيره إلى الله وأعطاه الدواء الناجح لشفاء روحه وزوده بكل ما يحتاجه في طريق الله حتى يصل إلى ربه، وبذلك يتحقق له الفوز في الدنيا والآخرة ويكون نبراساً للهدى.
قال بعض الصالحين في ذلك:
أملاك ربي لهم شيخ يعلمهم *** فكيف لا تطلبون الشيخ بالهمم
أبناء آدم فيهم سر والدهم *** كنوز حق إذا عادوا لبدنهم
الكون أجمعه يسعى لخدمتهم *** لنفحة القدس تحقيقاً لفضلهمِ
فأبحث عن العارف الممنوح فهو *** هدى به الفتوح لكنز فيك مختتم
- وقال بعضهم: (خدمة الرجال، سبب الوصالِ إلى مولى الموالي) .
فإذا أراد الله بعبدٍ خيراً وفقه لخدمة أولياءه، وإذا أراد الله بعبدٍ شراً، حال بينه وبين الأولياء فلم يرزقه حبهم ولا فهم أحوالهم وربما اعترض عليهم أو احتقرهم فيموت على غير دين الإسلام فإن الولي يبلغ شأن يكون الله فيه هو سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي بها يبطش، ورجله التي بها يمشي، فمن اقترب من ولي هذه حاله فقد اقترب من الله ومن خدمه فقد خدم الله في الحقيقة ومن أبغضه فقد أبغض الله.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} سورة الفتح 10.
فابحثوا عن العارفين قبل موتكم، والتزموا غاية الأدب معهم ولا ترفعوا أصواتكم في مجلسهم ولا تتكلموا حتى يؤذن لكم، وخذوا عنهم أمور دينكم وكيفية حياتكم لتكونوا من المفلحين، وبادروا بذلك قبل أن يدرككم الموت فإنه يأتي على حين فجأة، فكم رأينا أقواماً جمعوا مواد بناء ليقيموا داراً فاجأهم الموت قبل أن يبنونها. وكم من زارع زرع زرعاً ومات قبل أن يحصده، وقد جعل الله لنا في ذلك آيات لنكون على استعداد للقائه، فالموت يأتينا بغتة وكفى به واعظاً لنا. {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} سورة الرحمن 26: 27.
- وقف رجل على بشر الحافي في ساعة يأخذ عنه فقال بشر: (اللهم لا تطل وقوفه يوم القيامة للحساب، وأطل وقوفه للنظر إلى وجهك الكريم) فنودي (قد قبلناه من أجلك) .
- إن الله بلغ من رحمته وحنانه وعطفه أن يميل الأرواح إلى المؤمنين الصالحين. فإذا أحب عبدٌ عارفاً أو ولياً من أولياء الله، ألقى الله في قلب العارف حناناً وعطفاً على جميع معارفه، فقام لربه يدعو لمن أحبوه. والله لا يرد دعاء عبدٍ آمن وعمل الصالحات. وإنا ولله الحمد بين ظهرانينا كثير من العارفين وكثير من أهل حضرته، فإذا أحب الإنسان عارفاً، نظر الحق في قلب هذا العارف فأدخل مريده في قلب هذا العارف وكفالته ومنزلته في الجنة.
إن الله لا يريد أن يُحزن هذا العارف إذا جاءت القيامة.
قال الحق لأوليائه: سلوني فلا أمنع لكم سؤلاً.
يقولون: ربنا لنا أحباب في الدنيا.
فيقول الله: إنهم خلفوا
فيقولون: أعطهم من حسناتنا.
فيقول الله: جدتم بحسناتكم فلأجودن عليهم وأنزلهم منازلكم. فليس السفر إلى العارفين بِضائع، فو الله الذي لا إله غيره، توضع الكراسي لأهل حضرة الله فلا يجلسون عليها ويقولون لنا أحباب أحبونا. فيقول لهم الله: لقد قصروا.
فيقولون: يا رب لا تُخزنا.
فبقول: وعزتي وجلالي لأكشفن لهم عن وجهي وأريحنهم في جنتي.
اللهم أرزقنا السفر إلى الصالحين ومحبة الصالحين وأسأل الله لي ولكم ولكل زائر خير الدنيا والآخرة.
- لابد للعبد من مرشد واصل إلى الله. لذلك قال الله تعالى {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} سورة الكهف 17. وقال (النبي) صلى الله عليه وسلم: {من مات وليس في عنقه بيعة إمام، مات ميتة الجاهلية} رواه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في الكبير.
قال الله تعالى {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة البقرة 189.
قال أحد الصالحين:
إذا ما أتيت الأمر من غير بابه *** ضللت وإن تدخل من الباب تهتدي
وقال الله تعالى في الأشقياء:
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} سورة الأنعام 94.
وقال {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} سورة الشعراء 89.
وهو قلب الإمام الشفيع سواء كان قلب الشفيع الأعظم أو قلب أي عارف بالله.
ولقد قال الله في كتابه العزيز:
{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} . سورة الإسراء 71.
وقال: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة التحريم 8.
وكل خير يأتي للعباد فمن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كتب الله التوفيق لعبد من عباده ساقه إلى عارف من أهل حضرته تعالى، لأنه مشكاة من نور النبي صلى الله عليه وسلم ومظهراً لتجلياته سبحانه وتعالى. فمن رزقه الله حب العارف بالله وإكباره ورؤيته المثل الأعلى للوراثة المحمدية فيه، ومتى قواه الله على إتباعه ومجاهدة نفسه في هذا السبيل، حتى يقطع معه الطريق إلى الله، فينهل من مناهل العارفين والأنبياء والصديقين ويترقى إلى مرتبة حق اليقين، وفي ذلك يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} سورة الأنعام 91.
- فعليكم يا أخواني بالجلوس مع العارفين بالله فإنهم يفيضون على جلسائهم من فضل الله، الذي يرزقهم به في المجلس، ويلزم التسليم لهم فيما ينطقون به فإنه من مواهب الله، حيث يجلي عليهم آياته، ويوقفهم على معانٍ عظيمة لهذه الآيات، وهم يسلمون بما يقوله المفسرون لكتاب الله الكريم والمعاني الجديدة هي خاصة بأهل حضرة الله وتدخل في معنى:
{فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} سورة الكهف65.
ولأجل نُبل هذه العلوم اللدنية أمر الله سيدنا موسى عليه السلام بالتتلمذ على يد الخضر عليه السلام ليجمع الله بين علم الوحي والمكالمة الإلهية وبين العلم الذي يفاض على القلوب. وتلك المواهب اللدنية، من لم يذقها لم يدخل حضرة الأنس
(اللهم أذقنا ذلك قبل موتنا يا كريم) .
وإذا فتح الله على العبد بولاية، فعليه ألا يسدها بنفسه، أي بالوقوف مع نفسه ومع العطية دون المُعطي وكم رُد عبدٌ عن الولاية لهفوة قلبية.

أدب الجلوس مع الصالحين :
يجب التزام منتهى الأدب في الدخول والجلوس عند الأولياء، والخروج من مجالسهم ومصاحبتهم. ويحرم الدخول على الولي أو الخروج من عنده إلا بإذن سابق. قال الله تعالى في كتابه الكريم {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة النور 62. ذلك لأنهم فاتهم حظ عظيم بمفارقتهم مجلس النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك الأمر في مجالس الصالحين، فيجب الاستئذان بالقلب أو اللسان.
لقد سُئل أحد الصالحين: بما نُلت الصديقية؟! فقال: كنت في مجلس أحد العارفين فحدث عندي حصر بول، فلم أقم، وأمسكت هذا الحصر فنوديت: {أعطيناك الصديقية لتأدبك مع عارفنا وعدم قيامك من المجلس} .
ولقد حدث لي حصر بول وأنا في سن الرابعة عشر، وكنت متعلقاً بالحضرة فمضيت إلى الجبل لأفك هذا الحصر، فوجدت كل شيء يسبح لله الأشجار والحجارة والطوب والرمل، ومكثت على ذلك مدة كبيرة، حتى سألت رفعه عني فرُفع وهذا جعلني على علم بحال أهل الفناء، ولولا أن الله أصلح الأمر، لما استطعت قضاء حاجتي. ولولا أن الله يزوي ذلك عن أولياءه لما استطاعوا قضاء حاجتهم.
إن الله هو الوهاب ولا نهاية لمواهبه سبحانه وتعالى.
- فالواجب على المؤمنين أن يحسنوا الجلوس مع الصالحين حتى يفتح الله عليهم. ويحدث كثيراً أن يمكث بعض الناس مع العارفين سنين ولا يُفتح عليهم، ويكون الحرمان من الفتح بسبب عدم معرفة أدب الجلوس والصحبة مع الصالحين. كان سيدنا (أبو بكر الصديق) رضي الله عنه يقول: والله لأستأذن يا رسول الله. {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} سورة النساء 69.
وقال (النبي) صلى الله عليه وسلم: {أدبني ربي فأحسن تأديبي} رواه السمعان عن ابن مسعود.
وقال الله تعالى تعليماً له ولنا:
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} سورة الكهف 28.
فمن صلح حاله وكمُل أدبه في هذه الدار، نال الفلاح والنجاح ونجا في الآخرة واجتاز الصراط إلى الجنة. فلا تنتفع بالعارفين إلا بعد أن تستأذن في الدخول عليهم.
لا كما يفعل أهل هذا الزمان، يهاجمون أهل حضرة الله من غير أدب، ويدخلون من غير إذن لجهلهم بالله وبأهل حضرته، ومن فعل هذا حُرم بركة الله وأهل فضله. والقرآن الكريم يشير لهذا في آية {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} سورة الحجرات 4.
والتابعون للنبي صلى الله عليه وسلم لهم نصيب من ذلك، فلا يجوز لأحد أن يدخل على عارف من غير إذن فيُصاب ببلاء في الدنيا والآخرة، وقد ضل الكثير في هذا الزمان، وهذا لقلة أدبهم مع الله تعالى، تراهم يتكاثرون على الصالحين من غير أدب، فحُرموا بركتهم والعياذ بالله. والصالحون كثيرون والأولياء كثيرون، ولكن ضلت القلوب وانعكست على البصائر لفجورهم مع الله تعالى، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقد فسدت الأرواح والقلوب في زماننا هذا وجهلوا حق الله تعالى وحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق الصالحين.
- فإذا دخلت على أحد الصالحين فلا تقل له: كيف حالك وصحتك؟! فهذا بينه وبين ربه، فكل ما يعمله الله للعارف جميل يُستحب لديه. فلقد طرد أحد الصالحين شخصاً سأله عن صحته، وأمر بأن لا يدخل عليه بعد ذلك. لأنه إن كان مريضاً، وقال للسائل {أنا مريض} فإنه بذلك يكون قد شكا الله، وإن قال غير ذلك كذب وأهل حضرة الله لا يكذبون، فالكذاب لا يدخل حضرة الله.
فالعارف يقول، أتركوني لربي، فهو أرحم بي من نفسي بنفسي، وأنا راضٍ به يفعل بي ما يشاء. كما أنه لو مد الإنسان يده من غير أدب، لسقط من عين الله تعالى ولو كان عارفاً فتعلموا الأدب.
واللهِ لولاه ما سلمت على أحد نظراً لغفلته عن الله، مد يدك مسلماً لله، أنظر للنعم في الكف، تعلموا المراقبة تعلموا الحضور معه، واللهِ إنه ليحزُنني أن أرى الجليس غير العاقل.
لا ترضوا نفوسكم، لا تخشوا أنفسكم، أنظروا للخليل حاكياً عن سيده: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} سورة الشعراء 78: 83.
هذا هو الأدب مع كونه أبا الصالحين، نسي خلته ونسي عصمته. ولقد اختص الله نبينا صلى الله عليه وسلم بخصوصيات، فقد طلب سيدنا (موسى) النظر. وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد دُعي إلى حضرته، وشتان بين الطالب والمطلوب، فالتابع يلحق بالمتبوع. اللهم أحيينا على دينه، وأحيينا على سنته، وأمدنا من أنواره واشفنا ببركته.
- وهناك قوم يزرون الصالحين ولا ينتفعون منهم أبداً لقلة أدبهم واعوجاج باطنهم واعوجاج ألسنتهم. فنسأل الله السلامة في هذه الدار التي كثر فيها الاعوجاج والطمس واللؤم والأمراض القلبية الأخرى.
وإني انصح الأخوان بطاعة الله وعبادته والأدب مع أهله، ولا أطلب منهم أن يكونوا مجاذيب، أو أن يجلسوا مع المجاذيب أو يصاحبوهم وأطلب منهم عدم الاعتراض، وأن يكونوا مع الله حيثما أمرهم.
وإني واللهِ ما زارني ولي لله إلا تواضعت له بقلبي، وتتلمذت عليه، فكل ولي عنده بركة يأخذها منه بقدره ويعلم أنه آنية لله، فيتأدب عن الأخذ منها أدباً مع الله تعالى صاحب الآنية. وأنا مذهبي، أني لا أرفع رأسي أبداً وإن جاءتني امرأة من الصالحات، أكون تلميذاً لها.
وأنا تربيت من الصغر مع المجاذيب، وفي الكبر يلزمني الحال أن أسوق الناس إلى الله، فأنحني جانباً من المجاذيب.

وكان والدي رحمه الله يقول:
من علامات حرمان الجالس نومه في مجلس الصالحين.
- وواللهِ لقد جلست في مجلس الله أربعة عشر ليلة، ما نمت وما تثاءبت وكان في هذا المجلس أولياء وعارفون وصديقون، وهم أواني الله، ينطقون على مراد الله بالحق والصدق، وبذلك يحصل الانتفاع منهم، والله يثقل عليهم البلايا في هذه الدار رحمة بالعاصين، فكل من تقرب إليهم، وكل من حمل في بلائهم ونوائبهم، فهو ناجٍ ومغفور له، وهم يقولون: فيك نحمل ومنك نطيق ولا تشغلهم بلاياهم وأمراضهم عن الله أبداً.
- وسيدنا (زكريا) ما ناداه عندما شقه المنشار نصفين، ولكن لما وصل المنشار إلى فمه عض على شفتيه، فقال له جبريل {لا تتأوه يا زكريا إن الله معك} .
- فأعلم يا أخي إذا رأيت أحد الصالحين أنه في حضرة الأنس، لا يضره شيء، ولا يفيده الدواء، فلو جاءت جميع الأدوية لعارف مريض ما يُشفى أبداً، فالمرض حُكم من الله عليه، واللهِ لولا أنكم تريدون الأكل ما قمت لآكل وما اشتهيت أكلاً ولا طلبت أكلاً إلا على جهة التعبد والتأدب (والحب يعترض اللذات بالألم) .
يعني لم تبقِ لذة حب الله عنده لذة طعام أو شراب، فهذه لذة زائلة.
- ولا يجوز لولي أن يفضح أحداً من المسلمين، إلا إذا دخل عليه بغير أدب أو اعترض عليه أو خاطبه باستهتار وهم أنواع من العُصاة، وقد يهدي الله عاصياً إذا رأى أن الله أطلع الولي على سره الذي لا يعلمه إلا الله.
- فعليكم بمصاحبة الأولياء، واحفظوا قلوبكم معهم وتأدبوا غاية الأدب، ولو تأدب الإنسان مع الله قدر تأدبه مع شيخه أو مع الرجل العظيم في قوته أو جاهه لوصل إلى الله، فاستحيوا يا أخواني من الله فهو الأعظم، قال الله تعالى {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة الحج 74.
- إن الله أفاض علي في أمور، لا يعلمها إلا هو، وقد ساق إلي خلقه في علمه القديم وأحب أن يستأذن زواري قبل الدخول عندي وقبل الخروج. فلقد دخل رجل على سيدنا عمر بن الخطاب بدون إذن فضربه بالدرة.
فقال له: لم ضربتني؟!
فقال له سيدنا (عمر) لأنك دخلت على سلطان الله بغير إذن، فأراك الله سلطانه.
- فيجب على المريدين التزام الأدب مع العارفين، وينبغي للجالس عند العارفين بالله أن يكون معه ورقة وقلم لأنهم إذا ردوا من حضرة الشهود، أُذن لهم بالكلام لأنهم نواب الحضرة المحمدية وخبراء طريق الله ينطقون بما في القلوب، فإذا أرادك الحق أوصلك إليهم. فيجب الدخول عليهم بأدب، ومجالستهم بالأدب، ومخاطبتهم بالأدب وإكبار شأنهم.
{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج 32.
- ويجب عليه أن يسلم لهم حالهم وقولهم، ولا يعترض على ما لم يعرفه، حتى يتبين له في المجلس أو في مجلس آخر دون أن تحكم، فإن فعل العبد ذلك يرجى له الخير في الدنيا والآخرة.
- قال لي أحد الجلساء: {جلوسك معنا تواضع كبير}
فقلت له: حالي كذلك! لو جاءني كافر لعانقته، فالمؤمن الكامل لا يلغو في كلامه، وكل ما ينطق به موعظة أو عبرة، أو توضيح حكم، أو تفسير معنى أو دلالة على خبر من فعل أو قول أو اعتقاد، وهو لا يتحرى في ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، وما ينفع الناس في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} سورة الفرقان 72.
و {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} سورة المؤمنون 3.
ومن أطاع غنياً في غير مرضاة الله كان خائناً، فإذا بُعث بعد الموت من قبره، خرجت معه خيانته تنادي {أنا خيانة فلان} .
- لذلك كانت الوحدة خير من جليس السوء المتعلق بالدنيا. والذين يتثاءبون في المجالس عندهم مرض في قلوبهم، ونقص في سيرهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتثاءب ولا يحتلم قط.