يقول مولانا العارف بالله تعالى احمد رضوان رضى الله عنه :- إذا أراد الله بعبده خيراً قيض له حالاً يسوقه إلى عارف بالله، والحمد لله فإن العارفين به كثيرون في هذه الدنيا، فمتى اتصل العبد بأحد العارفين عرف حاله وما يحتاج إليه في سيره إلى الله وأعطاه الدواء الناجح لشفاء روحه وزوده بكل ما يحتاجه في طريق الله حتى يصل إلى ربه، وبذلك يتحقق له الفوز في الدنيا والآخرة ويكون نبراساً للهدى.

أخر المواضيع

من هو السالك لطريق الحق

السالك لطريق الحق
هو العبد المتوجه إلى ربه، والمُخلص في طلبه، ويجب أن يكون ذكياً رقيق الجوانب ألِفاً مألوفاً، يحب الصالحين، ويتعلق بالقدوة الحسنة التي يرزقه الله بها، متفانياً في إتباعه لها.
المُريد: إما مُريد إدراك أو مُريد تربية، وإن الوصول إلى الله شديد، ولابد فيه من العالم الخبير. قال تعالى: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} سورة الفرقان 59.
فكم لها من سامع منتفع *** يعلم ما يأتي لها وما يذر
وغافل عن الرموز جاهل *** يقول من يقول ذا فقد كفر
فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا: أي فاسأل بذاته هو خبيراً، وقد يُقال فاسأل به خبيراً به أي عارفاً به. وفي الحقيقة فاسأل الرحمن على الخبير، وأيضاً اسأل الخبير العالم بالرحمن، يدلك على الرحمن جل شأنه. أي انتق الخبير العارف بالله تعالى، فهو يدلك على الإحسان في أداء المفروضات وفي المعاملات والكمالات الإنسانية.

الخبير:
لا يُشترط أن يكون من فئة بعينها. بل العارف بالله هو الذي يقطع يقين العبد، أنه من حضرة الله وأولياءه. وهو الذي يحب العبد شاكلته المحمدية، وتظهر عليه مظاهر الميراث المحمدي، وعلامته، أن يكون عاملاً بالكتاب والسنة ومتمسكاً بمكارم الأخلاق، لا يؤخذ عنه خروج عن أحكام الدين أو التفريط في الفرائض أو سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وأن يكون رحمة مهداة لأهله وجيرانه ومحيطه الاجتماعي والعالم كله، باراً بالضعفاء والفقراء نقياً من كل النقائص، لا يداخله الغرور بنفسه ولا اعتزاز بطاعته ولا يترفع عن الفقراء ولا يهاب الأغنياء ولا الأقوياء، ولا يخشَ في الله لومة لائم. رائحة زكية وأحواله سنية، لا يمل جليسه مجلسه ولا يود مفارقته.
- قال الشريف الرضي في حبيبه:
وما تمكث جسمي عن لقائكم *** إلا وقلبي إليكم شيق عجلُ
وكيف يصبر مشتاقٌ يحركه *** إليكم الحافزانِ الشوقُ والأملُ
فإن نهضت فما لي غيركم وطر *** وإن قعدت فما لي غيركم أملُ
وذلك لأن الكمال المحمدي في شاكلته، وكل من كان على الشاكلة الشريفة، كان جماله طاغياً يحتل القلوب عنوة، لأنه يأخذ بألبابها فتسلم له قيادها، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى جل شأنه {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} سورة الزمر29.
وقال الله تعالى:
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة البقرة 132. أي تبيعوا أنفسكم وأموالكم لله، لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة التوبة 111. وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} سورة الفتح 10.
فهذا هو نفس الشأن مع العارفين بالله ورثة القدم المحمدي في الدعوة إلى الله، وأن الطريق إلى الله يصعب الوصول إليه جداً ولا يتأتى بالهز ولا بالهمهمة.
- فالمراد بالتوحيد: هو أن تتعلم الأدب في الوقوف بأبواب العلماء بالله. والمراد من الصلاة والصوم هو أن تتعلم أدب الوقوف بين يدي الله، وكم وقف قوم مع عباداتهم، وافتتن آخرون بالكرامات التي يُظهرها الله على يد أولياءه، فضلوا عن ربهم، لذلك فأني في حاجة ماسة إلى خبير يرشدني في طريق الله إلى أن نجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة ومناماً، حالاً ومآلاً.
ولا يصلح المرشد للإرشاد إذا كان أقل من هذه المرتبة، وإذا لم يوجد الكُفء يُباح التيمم وهو إتباع أفضل الموجودين من الأمة في هذا الباب، حتى يرزق الله المُريدين بالمكمل من عباده، وهم رزق يسوقه الله لمستحقيه فيا حسرتي على العلماء إلا القليل. فالعالِم إذا لم يكن مظهراً من مظاهر النبوة، لا يصح الأخذ عنه في السير إلى الله، لأنه إن لم يكن كاملاً فإنه يقع في مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالكم بالمخالفات الأخرى.
فعليك أيها الأخ أن تتوجه إلى الله بكليتك وتصلح آنية قلبك، وتجالس الصالحين بأدب لتتلقى عنهم، فإن من جالسهم بأدب رشحوا عليه من فيض الله، فأذاقوه لذة العبودية ولذة القُرب من فيض الله فإنهم يتصدقون من فيضه تعالى، وقد ربط الله البعض بالبعض، والكل بالكل، والمكمل بالكامل لتمام النفع وتحقيق الخير.
- وعلى المُريد أن يتخلى عن علمه وعن كسبه قبل أن يتتلمذ على شيخه، فإن من دخل بعلمه أو بعمله حُرم المدد والعطاء، وقد قال ابن الفارض في المعتز بعلمه أو عمله أو جاهه.
أتيت بيوتاً لم تقل من ظهورها *** وأبوابها عن قرع مثلك سدت
وبين يدي الله نجواك قدمت زخرفاً *** تروم به عزاً مراميه عزت
وجئت بوجه أبيض غير مسقط *** لجاهك في داريك حاطب صفوتي
ولو كنت بي من نقطة الباء خفضة *** رفعت إلى ما لم تنله بحيلة
بحيث ترى ألا ترى ما عددته *** وإن الذي أعددته غير عدة
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى *** ولكنها الأهواء عمت فأعمت
فلم تهوني ما لم تكن في فانياً *** ولم تفن ما لم تتجلى فيك صورتي
فدع عنك دعوى الحب وأدع لغيره *** فؤادك وأدفع عنك غيك بالتي
وجانب جناب الوصل هيهات لم *** يكن وها أنت حي إن تكن صادقاً مت
وعلى قدر الأدب في مجالسة الصالحين يكون العطاء، والأمر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر إلى بعض أصحابه علم الأحوال، بينما علم الشريعة أبلغه للكل، أما علم سر القدر فلم يبلغه لأحد رحمة بالأمة، والحمد لله الذي جعلنا من أمته وأدخلنا في رحمته. ولو تأدب الإنسان مع الله قدر تأدبه مع شيخه لوصل إلى الله، فاستحيوا يا أخواني من الله الأعظم.

- زارني شاب في الخامسة والعشرين من عمره، يُخفي وجهه ولحيته، فألقى السلام ورددت عليه السلام وقبل أن يجلس سألته عن أركان الإسلام فلم يجب، وسألته عن معنى لا إله إلا الله فلم يجب، فنصحته أن يذهب ويحلق لحيته، ويلحق بعمل يأكل منه، ثم يتصل بعالم يفقهه في الدين، ثم بعد ذلك كله يرسل لحيته. وواجب على مؤمن أن يهاجر إلى الأولياء والصالحين مهما تحمل في سبيل ذلك من مشاق ومصاعب، فإن سيدنا (موسى) عليه السلام هاجر في طلب الخضر، وفي ذلك عبرة لنا. {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} سورة الكهف60. نأخذ من هذه عبرة، وهي أن من الواجبات علينا زيارة الصالحين مهما تكلفت من جهد ومشقة. ونبي الله (موسى) عليه السلام وهو من أولي العزم وكليم الله وأُنزلت عليه التوراة لقد سار حتى وصل إلى مكان سيدنا (الخضر) وهو عبد من عباد الله، أتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه، يسير إليه حتى يبلغ المكان أو يمضي حقبا حتى يمده، وقد لقي في ذلك عناء ونصباً، عبر القرآن {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} سورة الكهف 62. وبعد أن لقيه سيدنا (موسى) عليه السلام هل قال له: أنا نبي الله موسى؟ هل قال له: أنا كليم الله؟ هل قال له: أنا صاحب التوراة؟ كلا ولكن بكل أدب رباني.
{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} سورة الكهف66.
أنظروا وتعلموا الأدب مع الصالحين واحضروا إليهم بانكسار وذل لله لكي تغنموا.
قال سيدنا (الخضر) لسيدنا (موسى) : {قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} سورة الكهف 67.
فلم يغضب سيدنا (موسى) عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل. بل {قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} سورة الكهف 69. وبعد ذلك قال سيدنا (الخضر) : {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} سورة الكهف 70.
وهذا هو شرط المُريد، إذا أراد الإتباع والفوز والفلاح.
فانطلقا وحصل ما ورد في كتاب الله منهما واعتذر سيدنا (الخضر) وقال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} سورة الكهف 82. وقال (النبي) صلى الله عليه وسلم: (رحمة الله علينا وعلى موسى لرأى من صاحبه العجب) رواه أبو داود والنسائي وابن عساكر عن أُبي رضي الله عنه.
- فعليك أيها الطالب للأولياء أن تقتبس من أنوارهم، وتسير على منهاجهم وأن تؤدي الواجب عليك نحو ربك ورسولك، وأن تتقذر مما سوى الله ورسوله، ولا تجعل لك لذة في شيء.
- يقول الشيخ الفضيل:
ذهبت للحج فلم أتفرغ للعبادة من كثرة الناس، وفي الليل قلت لأحد تلاميذي:
اذهب إلى كل واحد يحضر المجلس وقل له إن الفضيل يريد منك ديناراً ففعل ذلك، وبعدها لم يحضر أحد منهم، فتفرغ للعبادة وفي أيامنا هذه لا يوجد من المُريدين الصادقين إلا القليل، وذلك لتعلق الناس بالدنيا، ولأن أنفسهم أحضرت الشح....