يقول مولانا العارف بالله تعالى احمد رضوان رضى الله عنه :- إذا أراد الله بعبده خيراً قيض له حالاً يسوقه إلى عارف بالله، والحمد لله فإن العارفين به كثيرون في هذه الدنيا، فمتى اتصل العبد بأحد العارفين عرف حاله وما يحتاج إليه في سيره إلى الله وأعطاه الدواء الناجح لشفاء روحه وزوده بكل ما يحتاجه في طريق الله حتى يصل إلى ربه، وبذلك يتحقق له الفوز في الدنيا والآخرة ويكون نبراساً للهدى.

أخر المواضيع

الحب في الله

الحب في الله 
بسم الله الرحمن الرحيم 
قال الشيخ رضى الله عنه :
قال تعالى (فَسَوْفَ يَاتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) المائدة 54
ومن أحبه الله وفقه لمحبة أوليائه وأصفيائه وأهل حضرته، وجمعه على احدهم جمعية روحانية توجه بينه وبينه، فيكون على عين دينه،
ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((يحشر المرء مع من أحب)).
وقال سيدي محمد وفا في كتابه (نفائس العرفان): قلب العارف حضرة الله، وحواسه أبوابها، فمن تقرب إلى حواس العارف بالقرب الملائم، فتحت له أبواب الحضرة.
فالحب هو أصل الأصول، ولذلك يقول ابن الفارض لمحبوبه الالهى وهو شيخه في الله
انتم فروضي ونقلى ... انتم حديثي وشغلي
يا قبلتي في صلاتي ... إذا وقفت أصلى
جمالكم نصب عيني ... إليه وجهت كلى
وحب العارف بالله هو حب لله جل شانه، وتعظيم العارف تعظيم له تعالى، واتباعه هو إتباع للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو على الشاكلة النبوية، ويجب على المؤمن أن يخلص في حبه، وان يفنى في مثله الأعلى الالهى، وهو القطب الروحاني في عصره حتى يدرك صورته ويحيا به.
وقال ابن الفارض - رضي الله عنه -:
هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل ... فما اختاره مضني به وله عقل
وعش خاليا فالحب راحته عنا ... وأوله سقم وآخره قتل
ولكن لدىَّ الموت ُ فيه صبابة ً ... حياة لمن أهوى علىَّ بها فضل
نصحتك علما ً بالهوى والذي أرى ... مخالفتي فاختر لنفسك ما يحلو
فإن شئت أن تحيا سعيداً فمت به ... شهيداً وإلا فالغرام له أهل
وقال في موضع أخر
فلم تهوني ما لم تكن فيّ فانيا ولم تفن ما لم تجتلي فيك صورتي
فدع عنك دعوى الحب وادع لغيره ... فؤادك وارفع عنك غيك بالتي
وجانب جناب الوصل هيهات لم يكن ... وها أنت حي إن تكن صادقا مت
هو الحب عن لم تقض لم تقض مأربا ... من الحب فاختر ذاك أو خل خلتي
ولسيدة رابعة العدوية قصائد في الحب الالهى وللصوفية في كل عصر.
والموت في الحب هو التخلي عن جميع الحظوظ وعدم الوقوف مع اى خلق من خلق الله، ودوام مراقبة ومتابعة الولي الصالح بصدق، والإخلاص في محبته لوجه الله تعالى.
ويقول العارف بالله بشر الحافي: وقفت ليلة في السحر وظننت أنى على حال، فنوديت أما تستحي يا بشر من وقوفك مع نفسك؟ يا بشر إن وقفت مع غيري مقتك في الدنيا والآخرة.
وقال سيدي إسماعيل الحصرى ((في بدايتي أُدبت لتقبيل الناس يدي، لأني وقفت معها، وفى نهايتي لم أظهر يدي خوفاً من تقبيلها، فنوديت أخرجها حتى ينتفع بها، وأدب من يقصدك.
وان الذي يكلف الصالحين بشيء يدخل النار، وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((المكلِّف والمكلَّف في النار)) والولي لا يعرف إلا الله، والله هو الذي يعرف كل شيء، وهو مقام عظيم جدا ً.
دخل الحلاج رضي الله عنه وكان حداد يضرب الحديد بالمطرقة، ويقول في كل دقة ((حى ٌّ)) فيقول له الحلاج كذاب! مع كل دقة، ثم امسك الحلاج المطرقة واطرق بها الحديد فذاب الحديد وذاب السندان!! فقال ولكنى لم أذب، ولو كنت صادقا ً لذبت كما ذاب الحديد!!
ويقول الشيخ الفضيل: ذهبت لحج بيت الله فلم أتفرغ للعبادة من كثرة الناس!! وفى الليل قلت لأحد تلاميذي اذهب إلى كل واحد يحضر مجلسي وقل له ((إن الفضيل يريد منك ديناراً)) ففعل ذلك، وبعدها لم يحضر احد منهم فتفرغ للعبادة.
وفى أيامنا هذه لا يوجد من المريدين الصادقين إلا القليل، وذلك لتعلق الناس بالدنيا، ولان نفوسهم أحضرت الشح.
والكريم هو الذي لم يبخل بشيء من ماله أو جهده في مرضاة الله ورسوله، والكريم حبيب الله وهو رحمة أينما حلَّ، وخصوصا لإخوانه الفقراء.
وصحبة العارفين تورث صاحبها الكرم، فهو من اخص صفاتهم، وقد اخذوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ورد انه كان كالريح المرسلة، وذلك لتأدبه بالأدب الالهى، ولعمله بدستور الله العظيم ألا وهو كتابه الكريم قال تعالى: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (الحديد 7) وقال: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران 92).
وإن العبد الذي يجعل الله نصب عينيه، ويكون هدفه هو الوصول إلى الله لا يبخل مطلقا ً لا بماله ولا بنفسه لأنه باعهما لله بان له الجنة، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة 111)
لذلك فالمؤمنون يطبقون في شأنهما ما أمر الله ورسوله، ولا يتبعون حظوظ النفوس في تصرفاتهم، وهم لا يعصون الله ولا يخرجون عن أمره، ومعنى الإسلام هو الاستسلام لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، والطاعة والانقياد للمثل الأعلى في الإنسانية.
والله ما رأيت مسلماً حقاً يغتاب أحداً، أو ينم عليه أو يعصى ربه، ويقول الله في كتابه العزيز: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ (الحجر 42).
فمن يعصى الله ليس من عباد الخصوصية، وإنما من عباد العدد، والذين يعصون ربهم يصيرون عباداً لإبليس.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به). ويقول (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
ووالله إني مشفق على الذين يتركون سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاروا بلاء على بعضهم، مغتابين، نمَّامين، مفسدين في الأرض، فإنهم سيلقون جزاءهم المحتوم قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) (الزلزلة 8،7). وقال: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (الفجر 14)
وإذا أراد الله إصلاح الحال بعبد ألهمه الصواب فخرج عن كل ما يغضب الله وقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد 11).
أعوذ بالله من مسلمي اليوم ومن كل من يعصى الله.
قال رجل للحسن البصري: متى أنا مرتبة الغنى بالله؟ فقال له الحسن إذا تخليت عما سواه، قال ومتى يصح ذلك؟ قال إذا أكلت الحلال وتأدبت بأدب الصالحين.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((ليس الغنى بكثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس)).
وقال الشيخ أبو ألوفا الشرقاوي بيتاً من الشعر وصف فيه مسلمي اليوم وهو
أفمسلمون وأمة شلاء لا ميتون ولا همو أحياء
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من كسب يده وإن نبي الله داوود كان يأكل من كسب يده)).
وقد دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد الحطابين، وكانت يده خشنة من أثر عمله، فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يصافحه بيده لخشونتها، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وامسك بيده وقل ((هذه يدٌ يحبها الله ورسوله)).
وإن مكارم الأخلاق والأكل من الحلال وبذل المال كلها من الفضائل التي يجب على المؤمن التحلي بها.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقَسم أهل الصفة على أصحابه ليقوم كل صحابي بحاجة من كان من نصيبه.
كما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقال لكل أنصارى ((قسم بيتك ومالك مع من آخيته في الله، وإن كان لك زوجتان فتخل له عن واحدة وزوجها له)).
وقد فعل الأنصار ما أمرهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمدهم الله في كتابه العزيز حيث قال ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا))
(الحشر 9).
ومن علامة أهل المحبة في الله أن يكونوا في وداعة تامة وحلم كبير على ذويهم من آبائهم وأمهاتهم وزوجاتهم وعشيرتهم، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((أهل المحبة هين لين)).
وقد ورد أن الإمام الفضيل رفع صوته بقوله لامه ((نعم)) عندما نادته فشعر انه تجاوز الأدب معها، فاستغفر الله واعتق رقبة في ذلك.
ووالله إنني أرفق غاية الرفق بأهل بيتي، واجبر خاطرهم دائماً، حتى لا أُسأل عنهم يوم القيامة، فقد ورد أن العبد يسأل عن الكلمة الواحدة ثلاث مرات، وهو يجتاز الصراط، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))
وحدث أنى دخلت إلى المحاكم فتملكني البكاء، لأني تذكرت الوقوف بين يدي الله يوم القيامة عندما رأيت المتهمين يقفون في وجل شديد أمام مخلوق، فكيف بوقوف العبد أمام الله الخالق صاحب الأرض ومن عليها، ورب الدنيا والآخرة، وغن ما حدث للمسلمين في عصرنا هذا مرده إلى أنهم صاروا أتباعاً للشيطان، واخلدوا للدنيا يمرحون فيها من غير مبالاة، ويقول الله في الحديث القدسي ((عبدي إن أردتني فلا تتعلق بسواي، ولا تنشغل بغيري، فاحجب عنك جنتي)).
ويقول ((عبدي اطعني أجعلك عبداً ربانياً تقول للشيء كن فيكون)).
ويقول في حديث آخر ((من عرفني أحبني، ومن أحبني عشقني، ومن عشقني طلبني، ومن طلبني قتلته، ومن قتلته لزمتنى ديته، ومن لزمتنى ديته فأنا ديته، ومن كنت ديته فلا فرق بيني وبينه أو كنته)).
وإن عبد الله يوفقه الله بفضله وكرمه لاجتياز هذه المراحل في الطريق إلى الله ن حتى يكون في النهاية هو المثل الأعلى لمحبي الله، فينجو كل من يتعلق بع ويحبه، فهو حينئذ خليفة الله في أرضه، والنائب عن ذاته، ومهبط رحماته، وهمزة الوصل بين الله وعباده، ومظهر التجلي الالهى والبهاء الرحمانى، فالعارفون هم أبواب الله في هذا العالم، وإن العبد الذي لا يدخل من الباب فلن يصل إلى الله مطلقاً.
وقد قال أحد الصالحين:
لن تنال الذات فى غير مظهر ... ولو هلك الانسان من شدة البحث
وقال آخر:
إذا ما اتيت الامر من غير بابه ... ضللت وإن تدخل من الباب تهتد
وقال آخر:
إن لم تلاق عارفاً فى مدتك ... فلا عيش عمر كعيشتك
ولا يوفق لذلك إلا عبد سبقت له الحسنى في علم الله قال تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)) (الأنبياء 101،103)
ولا ينال هذه المرتبة إلا الأدباء مع الله ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع خلقه ومع الأمثلة العليا التي ضربها الله لعباده في الأرض، وهم الكُمَّل من بني آدم الذين تخلقوا بأخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكل من يحجبه ماله أو علمه أو مشتهيات نفسه عن الله فهو من الخاسرين.
قال تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَاوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) يونس 7 - 8. وقال جل شانه ((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَاتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)) (التوبة 24). وقال ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)) (الأحزاب 36).
فيجب على المؤمن إتباع ما أمر به الله، والانتهاء عما نهى، وترسم سنة خير المرسلين، والتحلي بالخلق القويم ومنه الأدب وصفات السخاء والكرم وقد كان - صلى الله عليه وسلم - جالساً وعنده رجل غنى وقدم رجل فقير فكف الغنى ثيابه عنه فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما حملك على ما صنعت؟ أخشيت أن يلصق فقره بك؟! أو يلصق غناك به؟! أم تكبرت عليه؟ إن من تكبر على فقير أدخله الله النار، ويوم القيامة ينادى منادى فيجمع فقراء الدنيا ويجلسهم الله على كراسي من نور ويقول الله لهم ((والله ما زويت عنكم الدنيا لهوانكم علىَّ))
وإنا نرى في زماننا هذا قوماً يمنعون الزكاة، ويترفعون على الفقراء والبؤساء، يقول - صلى الله عليه وسلم - ((مانع الزكاة في النار)).
والذي يبخل بماله على فقير محتاج لا ينبغي له أن يطمع في الجنة، لأنها محرمة على كل بخيل، والبخيل عدو الله وعدو الناس.
وقد يعمد إلى بذل المال ليرائي به الناس، أو يعمل أعمالاً لا يقصد بها وجه الله فيقول الله له يوم القيامة ((ماذا عملت بنعمتي التي أنعمت بها عليك؟ فيقول زكيت وحججت وتصدقت فيقول الله له ((إنك فعلت ذلك ليقال عنك انك كريم ... ادخلوه النار))

 المصدر: كتاب النفحات الربانية