الشيخ والقرآن الكريم
الشيخ والقرآن الكريم
نماذج من تفسيره وفهمه لكتاب الله تعالى
عرف شيخنا رضي الله عنه لكتاب الله القرآن مكانته، وأحب تلاوته، وعاش مع منته، واستغرق في إعجازه، فكان رضي الله عنه قرآنياً في بيته، وقرآنياً بين تلاميذه وأحبابه، يغوص في معاني القرآن الخفية، ويتدبر إشراقاته الجليلة، وله في فهمه معاني لم يسبقه إليها أحد، وإلهامات تنطق بكل صدق.
يقول أحد أحبابه: كان رضي الله عنه له أدب خاص في تلاوة القرآن الكريم، فهو يستأذن الله تعالى في تلاوة القرآن، ويقول: أستأذنك يا رب في تلاوة كلامك، ثم يستأذن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: أستأذنك يا سيدى يا رسول الله في تلاوة ما أنزل عليك، ثم بعد ذلك يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ ويتدبر، ويقول: العبرة في التلاوة والتدبر والعمل به، لا في كثرة التلاوة ..
وكان رضي الله عنه يحب أهل القرآن، يدنيهم في مجلسه، ويخصهم بالتكريم بين زواره، ويصحبهم في سياحاته، ولا يخلو مجلسه رضي الله عنه منهم، وكان يحب سماع القرآن من غيره فإذا قُرئ القرآن غاب عن الحضور، وتغير وجهه، وعايش الآيات بروحه، وكان له مع كثير من آيات القرآن وقفات وإشراقات نذكر منها ما يلي:
(1) قال رضي الله عنه في إشراقاته حول قول الله تعالى
:{ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الآية 62 سورة النور، قال رضي الله عنه:
إن في جلوس الصحابة رضوان الله عليهم في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خيراً كثيراً لا تدانيه عبادة ولا جهاد، لأن في مجلسه ينزل الوحي. وفي مغادرة بعضهم لهذا المجلس لبعض شأنهم يفوتهم خير كثير لا يعوض أبداً، ولا يُكفّر إلا باستغفار النبي صلى الله عليه وسلم لهم.
(2) وقال رضي الله عنه في قوله تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } الآية (58) سورة يونس:
إني أرى في هذه الآية معنى فتح به ربى عليَّ: فقوله تعالى: { فَلْيَفْرَحُواْ } خطاب للعموم أي للبعيد والقريب، أما قراءة { فَلتـفْرَحُواْ } وهي قراءة السوسي ويعقوب والكسائي فخطاب للخصوص وللقريب المخاطب الحاضر، فأهل الوجد والشوق والوله لا يستطيعون صبراً على البعد عن محبوبهم، فيقول لهم { فَلتـفْرَحُواْ } فيطمئنون بذلك ويفرحون، ولو لم يقل لهم ذلك فإنهم يمزقون ويموتون فسبحان الرحمن الرحيم.
(3) وفي قوله تعالى: { وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } الآية (205) سورة الأعراف، قال رضي الله عنه:
خطاب لحبيبه صلى الله عليه وسلم، والأمر لعباد الله جميعاً، إذ معاذ الله أن يكون صلى الله عليه وسلم من الغافلين، ومقام المشاهدة الدائمة المتزايدة في كل نفس هو للأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وذلك لقوله تعالى { أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }، وأما أهل القرب من الصالحين فهم جيران الله وخاصته كما جاء في الحديث ( عز جارك ) فهم جيران الحضرة، وعلى العبد أن يظهر أثر نعمة الله عليه، ولكن دون غفلة عن المنعم سبحانه وتعالى { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ }، وقوله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ }،
وقوله تعالى: { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }.
ذلك دون غفلة عن الحق سبحانه وتعالى، وأن يشغل العبد نفسه بالمكون عن الكون، وبالمنعم عن النعم ...
(4) قال أحد جلساء الشيخ: أمسك الشيخ رضوان الله عليه مرة عن الطعام ونحن نأكل معه واستغرق ملياً وهو يناجى ربه ويقول: سبحانك أبحت لنا الطعام في حضرتك، ولكنك لم تبح لنا الغفلة عنك .
ثم قال: أي أباح سبحانه للعبيد أن يأكلوا في حضرة مولاهم، لأن الله يقول ( وهو معكم أينما كنتم) تفضلاً منه سبحانه ورحمة، ولكن لا يجوز للعبد أن يغفل عن مولاه لا في أكل ولا شرب ولا يقظة ولا نوم ولا جماع ولا سفر ولا حضر حتى في العبادة يكون مشغولاً بالمعبود سبحانه عن العبادة.
(5) وقال رضوان الله عليه في قول الله تعالى: { الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا } (59) سورة الفرقان:
الأمر للحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم، والمأمور بالسؤال غيره صلى الله عليه وسلم، إذ هو الخبير بالله تعالى الذى يُسأل .. فافهم تغنم.
(6) وقال رضي الله عنه في قوله تعالى: { وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } (119) سورة التوبة:
هذا أمر على سبيل الوجوب أن تبحث عن الصادقين المخلصين العارفين بربهم العاملين بأحكامه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتكون معهم أيها العبد المريد لربك.
(7) وقال رضي الله عنه في قوله تعالى: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } (28) سورة الكهف:
وجب عليك أيها المريد لربك، وكذلك وجب على كل عبد أن يحبس نفسه مع عارف بالله مدة من الزمن طالت أو قصرت ( ساعة - أسبوع - شهر - سنة) تبعاً لظروفه، لأن هؤلاء العارفين يريدون وجه الله سبحانه وتعالى، لا يريدون الجنة، وبذلك يأخذ من أسرارهم ويقتدي بهم، والله أعلم بمراد عباده، وهو القائل: (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم)، فهؤلاء هم أهل حضرة الله وخاصته.
(8) وسئل رضي الله عنه عن قوله تعالى: { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } الآية (238) سورة البقرة، فقال رضي الله عنه:
هي الصلاة التي لا إفراط فيها ولا تفريط، لا هي بالطويلة المملة ولا بالقصيرة المخلة.
(9) وسُئل عن قول الله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } الآيتان (22-23) سورة القيامة، فقال:
رؤية الله سبحانه وتعالى جائزة في الدنيا والآخرة، ولكنها لم تقع في الدنيا إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج، وهي جائزة عقلاً ونقلاً، ومن أدلة جوازها في الدنيا أن سيدنا موسى عليه السلام طلب الرؤية بدليل قول الله تعالى: { وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي }، وسيدنا موسى عليه السلام لا يطلب مستحيلاً، لأنه معصوم، والمعصوم لا يطلب المستحيل، وقد علق الله الرؤية على سبب جائز الوقوع..
أما في الآخرة فرؤية الحق سبحانه وتعالى ثابتة بقوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }،
وقال تعالى: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ }.
(10) أما المقصود بالتجلي في قول الله تعالى: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } (143) سورة الأعراف، فقال رضي الله عنه:
إن لله تعالى تجلِّيَّين : تجلي جمالي، وتجلي جلالي، فقد تجلى الحق سبحانه وتعالى على الجبل تجلياً جمالياً بالرحمة فدُكَّ الجبل وخرَّ موسى صعِقاً، وإذاً لو تجلى سبحانه وتعالى تجلياً جلالياً لزالت الدنيا وزال كل شيء ولم يبق سواه سبحانه وتعالى.
(11) وقال تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا } (60) سورة الكهف: قال رضي الله عنه: إنه من الواجب علينا زيارة الصالحين مهما كلفنا ذلك من جهد ومشقة، انظر إلى نبي الله موسى عليه السلام، وهو من أولي العزم من الرسل وكليم الله وأنزلت التوراة عليه، يسير حتى يبلغ مكان سيدنا الخضر، وهو عبد من عباد الله آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علماً، يسير إليه حتى يبلغ المكان أو يمضي حقباً حتى يجده، حتى إن القرآن الكريم تحدث عن المعاناة التى لقيها فقال: { لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا }..
ثم يقول رضي الله عنه:
وبعد أن لقيه سيدنا موسى عليه السلام ماذا قال له؟ هل قال له: أنا نبي الله موسى؟ هل قال له: أنا كليم الله؟ أنا صاحب التوراة؟ .. كلا، بل بكل أدب رباني قال له: { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا }، انظروا وتعلموا الأدب مع الصالحين، واحضروا إليهم بأدب وانكسار وذل لله لكي تغنموا.
قال سيدنا الخضر لسيدنا موسى عليه السلام: { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا }، فلم يغضب سيدنا موسى عليه السلام، وهو من هو،
بل قال: { سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا }..
بعد ذلك قال سيدنا الخضر { فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا }، وهذا هو شرط المريد إذا أراد الاتباع والفوز والفلاح، فانطلقا، وحدث ما ورد في كتاب الله تعالى منهما، حتى اعتذر أخيراً سيدنا الخضر وقال: { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي }، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أخي موسى لو صبر على الخضر لرأينا منه عجباً".
(12) وسُئل رضي الله عنه عن قوله تعالى:{ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } الآية (64) من سورة النساء، فقال رضي الله عنه:
كلام الله قديم أزلي قائم بذاته، وهو منزه عن ابتداء الكلام وإحداثه، فإذا أراد الله أن يسمع رسولاً أو نبياً أو صديقاً كشف له الحجب، فأسمعه الكلام الأزلي الذي هو ليس بحرف ولا صوت، فالله ليس له جهة ولا حد ولا مقعد ولا موضع، ورؤيته يوم القيامة بلا كيف ولا انحصار، فإذا أراد الله أن يكشف لهم عن وجهه ويسمعهم كلامه خرق حجبهم وانكشفت بصائرهم فصاروا نوراً فيسمعون بكُلِّيَّتهم ويبصرون بكليتهم ويشاهدون بكليتهم..اللهم اجعلنا منهم يا كريم.
(13) وقال رضي الله عنه في قوله تعالى: { قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (97-98) سورة يوسف:
هذه الآية وسابقتها دليل على الوسيلة إذ لو لم تكن الوسيلة جائزة لقال لهم عليه السلام: استغفروا أنتم، ولكن قال: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ }.
(14) وسُئل رضي الله عنه عن قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } (60) سورة المؤمنون،
قال رضي الله عنه: سألَت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال صلى الله عليه وسلم : لا يا بنت الصديق، لكنهم الذين يصومون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات.
(15) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا } (26-27) سورة الجن، قال:
الغيب غيبان، علم الغيب المتعلق بذات الله تعالى، فهذا ما لا يطلع عليه غير الله تعالى، لا نبي ولا رسول ولا ملك، لا يعلمه إلا الله تعالى، وذلك قوله: { وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }.
فإذا شاء الله تعالى، وخرج هذا العلم إلى اللوح المحفوظ، ثم نسخت منه الملائكة وعلمه الرسل عليهم الصلاة والسلام، أي: إذا خرج هذا العلم من الغيبية المحضة إلى مخلوق علمه، وذلك كالملك الموكل بالأرحام أي قبل تخليق النطفة، وبعد ذلك يؤمر الملك الموكل بالأرحام بكتابة رزقه وأجله وشقي أم سعيد، إذاً هناك مخلوق علم وهو الملك الموكل بالأرحام، إذاً فلم يصبح غيباً محضاً، وعلمه المقربون الموكلون من الملائكة والرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكذلك من هم على قدم الأنبياء لهم نصيب من ذلك.
ونقف عند قوله تعالى: { إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ }، فانظر وتأمل وافهم، فبعد أداة الاستثناء ذكر الله تعالى مَنْ هم الذين يطلعهم على غيبه فالله يختص من يشاء من عباده وفضل الله واسع.
(16) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى:{ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء } الآيتان (37-38) من سورة آل عمران:
فالسيدة مريم رضي الله عنها قالت لسيدنا زكريا وهو كفيلها: هو من عند الله، وهي كرامة للسيدة مريم لأنها ليست نبية، لأن الله لا يرسل أنثى، وسيدنا زكريا عليه السلام وهو الكفيل لم يحضر هذا الرزق، ولذلك سأل، فقالت: هو من عند الله، هنالك في هذا المكان الطيب دعا زكريا ربه، فهذه ميزة للأماكن، فقد فضل الله تعالى بعض الأماكن على بعض، وبعض الأزمنة على بعض، وبعض الرسل على بعض، وبعض الملائكة على بعض، ولسيدنا زكريا محراب يتعبد فيه، ولكن هنالك دعا ربه أي في هذا المكان الذى تتعبد فيه السيدة مريم، والذي حصلت فيه الكرامة، فافهم تغنم.
(17) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى: { قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } (91) سورة الأنعام، قال رضي الله عنه:
هذا الميراث العظيم الباقي بعد أن أدى حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الأمانة وبلغ الرسالة وجاهد في الله حق جهاده حتى جعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، ثم ماذا يقول الله تعالى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }، والجميع مصطفون وداخلون في الاصطفاء حتى قالوا: ظالمنا مغفور له، ومقتصدنا ناجٍ، وسابقنا سابق، فهذه هي الوراثة المحمدية.
وهنا لطيفة: ما هي الحكمة في هذا الترتيب في هذه الآية في أن يذكر الظالم لنفسه أولاً، ثم المقتصد، ثم أخيراً السابق ؟
قالوا: ذكر الله تعالى الظالم لنفسه أولاً لئلا يقنط من رحمة الله وعفوه ومغفرته، ثم ذكر السابق آخراً لئلا يغتر بعلمه وبعبادته وصالح عمله.
(18) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى:{ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } الآيتان (21-22) سورة التوبة:
الله سبحانه وتعالى مقصود أهل الحضرة ومطلوبهم، والنظر إلى وجهه الكريم أسمى مقصود لهم، لذلك يقول الحق تبارك وتعالى: { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم ...} إلى آخر الآيات.. فانظر رحمك الله وجعلنا منهم بفضله ومنّه وكرمه إلى الترتيب في الآية: فأولاً يبشرهم ربهم فهذه درجة، إذ أن هناك قوم تتلقاهم الملائكة وهذه درجة، وهناك خواصّ وخواص الخواص.
ثانياً: يبشرهم ربهم بماذا ؟ برحمة منه ورضوان وهو النظر إلى وجهه الكريم لأن ذلك هو مقصودهم ومناهم والرضا
كما قال أبو المعارف رضى الله عنه:
فتاح فافتح أعين القلوب *** واجعل شهود ذاتكم مطلوبي
ثم بعد النظر إلى وجهه الكريم والرضا عنهم قال تعالى: { وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ }، لأن مناهم ومقصودهم ربهم، كما قال الله تعالى: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }.
(19) وقال رضي الله عنه في قوله تعالى: { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ } الآية (45) سورة هود، لِم قال سيدنا نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: { وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ }، ولم يقل: ( وأنت أرحم الراحمين ) وهو يطلب الرحمة لابنه؟ ما هي الحكمة من ذلك؟ فقال:
لأنه عليه السلام نظر إلى مراد الله أولاً في فعله وفضله على الرحمة بابنه، وكأنه يقول: إن الحكمة والخير فيما حصل، وفي مراد الله سبحانه وتعالى، وأنت أحكم الحاكمين فيما أردت يا رب، وفيما قضيت وقدرت، وفضل ذلك على طلب الرحمة لابنه ولم يقل وأنت أرحم الراحمين، بل قال: {وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ }.
(20) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى: { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي }، هذا الدعاء من سيدنا موسى عليه السلام، وهذا التذلل لله سبحانه وتعالى لماذا؟ وما هي نتيجة ذلك كله؟ فقال:
لا مُلك ولا دنيا ولا جاه وإنما من أجل: { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا}، فانظر هدانا الله وإياك لهذه اللطائف والمنح والمنن الربانية، جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
(21) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى: { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } (18) سورة الزمر:
القرآن كله جميل وحسن، وليس فيه غير ذلك، ولكن فيه جميل وأجمل، وحسن وأحسن، فمثلاً قوله تعالى: { وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } هذا هو الحسن، والأحسن قوله تعالى: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } (40) سورة الشورى .. وقوله تعالى: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } هذا هو الحسن، أما الأحسن فقوله تعالى: { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } .. وقوله تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ } هذا هو الحسن، أما الأحسن فقوله تعالى: { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }.
(22) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى: { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }، قال رضي الله عنه:
إن دخول الجنة له شروط، وهي:
- الذين يوفون بعهد الله.
- ولا ينقضون الميثاق.
- والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل.
- ويخشون ربهم.
- ويخافون سوء الحساب.
- والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم.
- وأقاموا الصلاة.
- وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيةً.
- ويدرءون بالحسنة السيئة.
هذه شروط دخول الجنة، فليبحث الواحد منا عن هذه الشروط، ويطبقها على نفسه، ويفتش نفسه ليرى: هل فيه هذه الشروط أو فيه بعضها أو لا يوجد فيه شرط واحد منها فيجتهد ويطبقها حتى يكون أهلا لدخول الجنة.
نماذج من تفسيره وفهمه لكتاب الله تعالى
عرف شيخنا رضي الله عنه لكتاب الله القرآن مكانته، وأحب تلاوته، وعاش مع منته، واستغرق في إعجازه، فكان رضي الله عنه قرآنياً في بيته، وقرآنياً بين تلاميذه وأحبابه، يغوص في معاني القرآن الخفية، ويتدبر إشراقاته الجليلة، وله في فهمه معاني لم يسبقه إليها أحد، وإلهامات تنطق بكل صدق.
يقول أحد أحبابه: كان رضي الله عنه له أدب خاص في تلاوة القرآن الكريم، فهو يستأذن الله تعالى في تلاوة القرآن، ويقول: أستأذنك يا رب في تلاوة كلامك، ثم يستأذن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: أستأذنك يا سيدى يا رسول الله في تلاوة ما أنزل عليك، ثم بعد ذلك يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ ويتدبر، ويقول: العبرة في التلاوة والتدبر والعمل به، لا في كثرة التلاوة ..
وكان رضي الله عنه يحب أهل القرآن، يدنيهم في مجلسه، ويخصهم بالتكريم بين زواره، ويصحبهم في سياحاته، ولا يخلو مجلسه رضي الله عنه منهم، وكان يحب سماع القرآن من غيره فإذا قُرئ القرآن غاب عن الحضور، وتغير وجهه، وعايش الآيات بروحه، وكان له مع كثير من آيات القرآن وقفات وإشراقات نذكر منها ما يلي:
(1) قال رضي الله عنه في إشراقاته حول قول الله تعالى
:{ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الآية 62 سورة النور، قال رضي الله عنه:
إن في جلوس الصحابة رضوان الله عليهم في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خيراً كثيراً لا تدانيه عبادة ولا جهاد، لأن في مجلسه ينزل الوحي. وفي مغادرة بعضهم لهذا المجلس لبعض شأنهم يفوتهم خير كثير لا يعوض أبداً، ولا يُكفّر إلا باستغفار النبي صلى الله عليه وسلم لهم.
(2) وقال رضي الله عنه في قوله تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } الآية (58) سورة يونس:
إني أرى في هذه الآية معنى فتح به ربى عليَّ: فقوله تعالى: { فَلْيَفْرَحُواْ } خطاب للعموم أي للبعيد والقريب، أما قراءة { فَلتـفْرَحُواْ } وهي قراءة السوسي ويعقوب والكسائي فخطاب للخصوص وللقريب المخاطب الحاضر، فأهل الوجد والشوق والوله لا يستطيعون صبراً على البعد عن محبوبهم، فيقول لهم { فَلتـفْرَحُواْ } فيطمئنون بذلك ويفرحون، ولو لم يقل لهم ذلك فإنهم يمزقون ويموتون فسبحان الرحمن الرحيم.
(3) وفي قوله تعالى: { وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } الآية (205) سورة الأعراف، قال رضي الله عنه:
خطاب لحبيبه صلى الله عليه وسلم، والأمر لعباد الله جميعاً، إذ معاذ الله أن يكون صلى الله عليه وسلم من الغافلين، ومقام المشاهدة الدائمة المتزايدة في كل نفس هو للأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وذلك لقوله تعالى { أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }، وأما أهل القرب من الصالحين فهم جيران الله وخاصته كما جاء في الحديث ( عز جارك ) فهم جيران الحضرة، وعلى العبد أن يظهر أثر نعمة الله عليه، ولكن دون غفلة عن المنعم سبحانه وتعالى { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ }، وقوله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ }،
وقوله تعالى: { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }.
ذلك دون غفلة عن الحق سبحانه وتعالى، وأن يشغل العبد نفسه بالمكون عن الكون، وبالمنعم عن النعم ...
(4) قال أحد جلساء الشيخ: أمسك الشيخ رضوان الله عليه مرة عن الطعام ونحن نأكل معه واستغرق ملياً وهو يناجى ربه ويقول: سبحانك أبحت لنا الطعام في حضرتك، ولكنك لم تبح لنا الغفلة عنك .
ثم قال: أي أباح سبحانه للعبيد أن يأكلوا في حضرة مولاهم، لأن الله يقول ( وهو معكم أينما كنتم) تفضلاً منه سبحانه ورحمة، ولكن لا يجوز للعبد أن يغفل عن مولاه لا في أكل ولا شرب ولا يقظة ولا نوم ولا جماع ولا سفر ولا حضر حتى في العبادة يكون مشغولاً بالمعبود سبحانه عن العبادة.
(5) وقال رضوان الله عليه في قول الله تعالى: { الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا } (59) سورة الفرقان:
الأمر للحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم، والمأمور بالسؤال غيره صلى الله عليه وسلم، إذ هو الخبير بالله تعالى الذى يُسأل .. فافهم تغنم.
(6) وقال رضي الله عنه في قوله تعالى: { وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } (119) سورة التوبة:
هذا أمر على سبيل الوجوب أن تبحث عن الصادقين المخلصين العارفين بربهم العاملين بأحكامه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتكون معهم أيها العبد المريد لربك.
(7) وقال رضي الله عنه في قوله تعالى: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } (28) سورة الكهف:
وجب عليك أيها المريد لربك، وكذلك وجب على كل عبد أن يحبس نفسه مع عارف بالله مدة من الزمن طالت أو قصرت ( ساعة - أسبوع - شهر - سنة) تبعاً لظروفه، لأن هؤلاء العارفين يريدون وجه الله سبحانه وتعالى، لا يريدون الجنة، وبذلك يأخذ من أسرارهم ويقتدي بهم، والله أعلم بمراد عباده، وهو القائل: (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم)، فهؤلاء هم أهل حضرة الله وخاصته.
(8) وسئل رضي الله عنه عن قوله تعالى: { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } الآية (238) سورة البقرة، فقال رضي الله عنه:
هي الصلاة التي لا إفراط فيها ولا تفريط، لا هي بالطويلة المملة ولا بالقصيرة المخلة.
(9) وسُئل عن قول الله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } الآيتان (22-23) سورة القيامة، فقال:
رؤية الله سبحانه وتعالى جائزة في الدنيا والآخرة، ولكنها لم تقع في الدنيا إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج، وهي جائزة عقلاً ونقلاً، ومن أدلة جوازها في الدنيا أن سيدنا موسى عليه السلام طلب الرؤية بدليل قول الله تعالى: { وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي }، وسيدنا موسى عليه السلام لا يطلب مستحيلاً، لأنه معصوم، والمعصوم لا يطلب المستحيل، وقد علق الله الرؤية على سبب جائز الوقوع..
أما في الآخرة فرؤية الحق سبحانه وتعالى ثابتة بقوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }،
وقال تعالى: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ }.
(10) أما المقصود بالتجلي في قول الله تعالى: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } (143) سورة الأعراف، فقال رضي الله عنه:
إن لله تعالى تجلِّيَّين : تجلي جمالي، وتجلي جلالي، فقد تجلى الحق سبحانه وتعالى على الجبل تجلياً جمالياً بالرحمة فدُكَّ الجبل وخرَّ موسى صعِقاً، وإذاً لو تجلى سبحانه وتعالى تجلياً جلالياً لزالت الدنيا وزال كل شيء ولم يبق سواه سبحانه وتعالى.
(11) وقال تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا } (60) سورة الكهف: قال رضي الله عنه: إنه من الواجب علينا زيارة الصالحين مهما كلفنا ذلك من جهد ومشقة، انظر إلى نبي الله موسى عليه السلام، وهو من أولي العزم من الرسل وكليم الله وأنزلت التوراة عليه، يسير حتى يبلغ مكان سيدنا الخضر، وهو عبد من عباد الله آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علماً، يسير إليه حتى يبلغ المكان أو يمضي حقباً حتى يجده، حتى إن القرآن الكريم تحدث عن المعاناة التى لقيها فقال: { لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا }..
ثم يقول رضي الله عنه:
وبعد أن لقيه سيدنا موسى عليه السلام ماذا قال له؟ هل قال له: أنا نبي الله موسى؟ هل قال له: أنا كليم الله؟ أنا صاحب التوراة؟ .. كلا، بل بكل أدب رباني قال له: { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا }، انظروا وتعلموا الأدب مع الصالحين، واحضروا إليهم بأدب وانكسار وذل لله لكي تغنموا.
قال سيدنا الخضر لسيدنا موسى عليه السلام: { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا }، فلم يغضب سيدنا موسى عليه السلام، وهو من هو،
بل قال: { سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا }..
بعد ذلك قال سيدنا الخضر { فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا }، وهذا هو شرط المريد إذا أراد الاتباع والفوز والفلاح، فانطلقا، وحدث ما ورد في كتاب الله تعالى منهما، حتى اعتذر أخيراً سيدنا الخضر وقال: { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي }، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أخي موسى لو صبر على الخضر لرأينا منه عجباً".
(12) وسُئل رضي الله عنه عن قوله تعالى:{ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } الآية (64) من سورة النساء، فقال رضي الله عنه:
كلام الله قديم أزلي قائم بذاته، وهو منزه عن ابتداء الكلام وإحداثه، فإذا أراد الله أن يسمع رسولاً أو نبياً أو صديقاً كشف له الحجب، فأسمعه الكلام الأزلي الذي هو ليس بحرف ولا صوت، فالله ليس له جهة ولا حد ولا مقعد ولا موضع، ورؤيته يوم القيامة بلا كيف ولا انحصار، فإذا أراد الله أن يكشف لهم عن وجهه ويسمعهم كلامه خرق حجبهم وانكشفت بصائرهم فصاروا نوراً فيسمعون بكُلِّيَّتهم ويبصرون بكليتهم ويشاهدون بكليتهم..اللهم اجعلنا منهم يا كريم.
(13) وقال رضي الله عنه في قوله تعالى: { قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (97-98) سورة يوسف:
هذه الآية وسابقتها دليل على الوسيلة إذ لو لم تكن الوسيلة جائزة لقال لهم عليه السلام: استغفروا أنتم، ولكن قال: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ }.
(14) وسُئل رضي الله عنه عن قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } (60) سورة المؤمنون،
قال رضي الله عنه: سألَت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال صلى الله عليه وسلم : لا يا بنت الصديق، لكنهم الذين يصومون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات.
(15) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا } (26-27) سورة الجن، قال:
الغيب غيبان، علم الغيب المتعلق بذات الله تعالى، فهذا ما لا يطلع عليه غير الله تعالى، لا نبي ولا رسول ولا ملك، لا يعلمه إلا الله تعالى، وذلك قوله: { وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }.
فإذا شاء الله تعالى، وخرج هذا العلم إلى اللوح المحفوظ، ثم نسخت منه الملائكة وعلمه الرسل عليهم الصلاة والسلام، أي: إذا خرج هذا العلم من الغيبية المحضة إلى مخلوق علمه، وذلك كالملك الموكل بالأرحام أي قبل تخليق النطفة، وبعد ذلك يؤمر الملك الموكل بالأرحام بكتابة رزقه وأجله وشقي أم سعيد، إذاً هناك مخلوق علم وهو الملك الموكل بالأرحام، إذاً فلم يصبح غيباً محضاً، وعلمه المقربون الموكلون من الملائكة والرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكذلك من هم على قدم الأنبياء لهم نصيب من ذلك.
ونقف عند قوله تعالى: { إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ }، فانظر وتأمل وافهم، فبعد أداة الاستثناء ذكر الله تعالى مَنْ هم الذين يطلعهم على غيبه فالله يختص من يشاء من عباده وفضل الله واسع.
(16) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى:{ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء } الآيتان (37-38) من سورة آل عمران:
فالسيدة مريم رضي الله عنها قالت لسيدنا زكريا وهو كفيلها: هو من عند الله، وهي كرامة للسيدة مريم لأنها ليست نبية، لأن الله لا يرسل أنثى، وسيدنا زكريا عليه السلام وهو الكفيل لم يحضر هذا الرزق، ولذلك سأل، فقالت: هو من عند الله، هنالك في هذا المكان الطيب دعا زكريا ربه، فهذه ميزة للأماكن، فقد فضل الله تعالى بعض الأماكن على بعض، وبعض الأزمنة على بعض، وبعض الرسل على بعض، وبعض الملائكة على بعض، ولسيدنا زكريا محراب يتعبد فيه، ولكن هنالك دعا ربه أي في هذا المكان الذى تتعبد فيه السيدة مريم، والذي حصلت فيه الكرامة، فافهم تغنم.
(17) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى: { قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } (91) سورة الأنعام، قال رضي الله عنه:
هذا الميراث العظيم الباقي بعد أن أدى حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الأمانة وبلغ الرسالة وجاهد في الله حق جهاده حتى جعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، ثم ماذا يقول الله تعالى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }، والجميع مصطفون وداخلون في الاصطفاء حتى قالوا: ظالمنا مغفور له، ومقتصدنا ناجٍ، وسابقنا سابق، فهذه هي الوراثة المحمدية.
وهنا لطيفة: ما هي الحكمة في هذا الترتيب في هذه الآية في أن يذكر الظالم لنفسه أولاً، ثم المقتصد، ثم أخيراً السابق ؟
قالوا: ذكر الله تعالى الظالم لنفسه أولاً لئلا يقنط من رحمة الله وعفوه ومغفرته، ثم ذكر السابق آخراً لئلا يغتر بعلمه وبعبادته وصالح عمله.
(18) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى:{ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } الآيتان (21-22) سورة التوبة:
الله سبحانه وتعالى مقصود أهل الحضرة ومطلوبهم، والنظر إلى وجهه الكريم أسمى مقصود لهم، لذلك يقول الحق تبارك وتعالى: { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم ...} إلى آخر الآيات.. فانظر رحمك الله وجعلنا منهم بفضله ومنّه وكرمه إلى الترتيب في الآية: فأولاً يبشرهم ربهم فهذه درجة، إذ أن هناك قوم تتلقاهم الملائكة وهذه درجة، وهناك خواصّ وخواص الخواص.
ثانياً: يبشرهم ربهم بماذا ؟ برحمة منه ورضوان وهو النظر إلى وجهه الكريم لأن ذلك هو مقصودهم ومناهم والرضا
كما قال أبو المعارف رضى الله عنه:
فتاح فافتح أعين القلوب *** واجعل شهود ذاتكم مطلوبي
ثم بعد النظر إلى وجهه الكريم والرضا عنهم قال تعالى: { وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ }، لأن مناهم ومقصودهم ربهم، كما قال الله تعالى: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }.
(19) وقال رضي الله عنه في قوله تعالى: { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ } الآية (45) سورة هود، لِم قال سيدنا نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: { وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ }، ولم يقل: ( وأنت أرحم الراحمين ) وهو يطلب الرحمة لابنه؟ ما هي الحكمة من ذلك؟ فقال:
لأنه عليه السلام نظر إلى مراد الله أولاً في فعله وفضله على الرحمة بابنه، وكأنه يقول: إن الحكمة والخير فيما حصل، وفي مراد الله سبحانه وتعالى، وأنت أحكم الحاكمين فيما أردت يا رب، وفيما قضيت وقدرت، وفضل ذلك على طلب الرحمة لابنه ولم يقل وأنت أرحم الراحمين، بل قال: {وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ }.
(20) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى: { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي }، هذا الدعاء من سيدنا موسى عليه السلام، وهذا التذلل لله سبحانه وتعالى لماذا؟ وما هي نتيجة ذلك كله؟ فقال:
لا مُلك ولا دنيا ولا جاه وإنما من أجل: { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا}، فانظر هدانا الله وإياك لهذه اللطائف والمنح والمنن الربانية، جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
(21) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى: { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } (18) سورة الزمر:
القرآن كله جميل وحسن، وليس فيه غير ذلك، ولكن فيه جميل وأجمل، وحسن وأحسن، فمثلاً قوله تعالى: { وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } هذا هو الحسن، والأحسن قوله تعالى: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } (40) سورة الشورى .. وقوله تعالى: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } هذا هو الحسن، أما الأحسن فقوله تعالى: { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } .. وقوله تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ } هذا هو الحسن، أما الأحسن فقوله تعالى: { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }.
(22) وقال رضي الله عنه في قول الله تعالى: { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }، قال رضي الله عنه:
إن دخول الجنة له شروط، وهي:
- الذين يوفون بعهد الله.
- ولا ينقضون الميثاق.
- والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل.
- ويخشون ربهم.
- ويخافون سوء الحساب.
- والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم.
- وأقاموا الصلاة.
- وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيةً.
- ويدرءون بالحسنة السيئة.
هذه شروط دخول الجنة، فليبحث الواحد منا عن هذه الشروط، ويطبقها على نفسه، ويفتش نفسه ليرى: هل فيه هذه الشروط أو فيه بعضها أو لا يوجد فيه شرط واحد منها فيجتهد ويطبقها حتى يكون أهلا لدخول الجنة.