يقول مولانا العارف بالله تعالى احمد رضوان رضى الله عنه :- إذا أراد الله بعبده خيراً قيض له حالاً يسوقه إلى عارف بالله، والحمد لله فإن العارفين به كثيرون في هذه الدنيا، فمتى اتصل العبد بأحد العارفين عرف حاله وما يحتاج إليه في سيره إلى الله وأعطاه الدواء الناجح لشفاء روحه وزوده بكل ما يحتاجه في طريق الله حتى يصل إلى ربه، وبذلك يتحقق له الفوز في الدنيا والآخرة ويكون نبراساً للهدى.

أخر المواضيع

حديث الشيخ عن الولاية والاولياء


الولاية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تكرم علينا وجعلنا مسلمين والصلاة والسلام على من أنزل عليه قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة يونس 62: 64. لقد سألني سائل أن أتكلم عن الولاية والولي وما شروطه وما علامته فأحببت أن أتكلم لله بالله فأقول بعون الله مستعيناً به {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة يونس 62.
الولاية: هي حصن من دخل فيه صار محفوظاً، لا يدنو منه شيطان وصار غنياً لا يحتاج إلى أحد من الخلق {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِين} سورة الأعراف 196. فمن تولاه الله لا يحوجه إلى أحد من الناس ويرزقه الله من غير سبب وييسر له كل أمر، فهو سائر إلى ربه أينما كان لا يدنو منه الشيطان، فهو ينصر الله وينصره الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} سورة محمد 7. والتابع (للنبي) صلى الله عليه وسلم يدخل في هذا لأن كل تابع يدخل مع متبوعه
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} سورة يوسف 108.
والتابع للنبي مندرج مع النبي أينما ذهب، وأنتم تقرؤون {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} سورة النحل 97 وما أصاب المسلمين من بلاء إلا لنقص الإيمان.
فهم يحومون في الدنيا، قائمين مع الخلق، لا يشهدون حق الحق.
قالوا من أتى عبداً يسأله الدنيا، نادى الملك {إن عبدي أراد غيري} فمن فعل ذلك لا يكون في جملة الأولياء.
والولاية هي نور يُقذف في القلب يكشف للعبد به عن غامض سر القرآن وغامض سر الشريعة والولاية ليست مجرد ذكر وقيام ليل، إنما هي تأدب بأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلق بأخلاقه وعمل بما جاء به من عند ربه

أنواع الولاية
1- ولاية وهبية   2 - ولاية كسبية
الولاية الوهبية:
هي عطاء من الله وهبة منه {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} الحج 75. وهذه الولاية هي اصطفاء خالص من الله لأهلها وقال تعالى في القرآن الكريم {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} . سورة ص 47.
الولاية الكسبية:
هي أن يرزق الله العبد الاستقامة، والعمل بالمأمورات وتجنب المنهيات بإخلاصٍ وذلٍ لله وانكسار والولاية الوهبية والولاية الكسبية كلاهما كمال وكمال وتفضل وتفضل لأنه المتفضل على عبده بالطاعة. {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} سورة الضحى 5. فإنها للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة أيضاً. وإذا اتقى العبد الله حق تقاته، فأنه لا يطلب عوضاً بل يكون هواه موافقاً لمرضاة ربه بلا عناء جهاد واجتهاد حيث تألف النفس ذلك. {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به} رواه الحكم وأبو نصر السجزي في الإبانة وقال حسن غريب والخطيب عن ابن عمرو رضي الله عنه. والولاية الكسبية للحديث القدسي {ومن أتاني يمشي أتيته هرولة} أخرجه ابن ماجه في باب فضل العمل فمتى صححت العقد مع الله زادك الله من فضله، وعلمك ورقاك، فإذا اجتهدت فيما أمرك منحك الوهبية، فمن وحده فتح له باب العطايا، ومن قال لا إله إلا الله ونفى الشرك وعلم أن الكل عبيده وعلم أن الله واحد عند ذلك يهب الله له القُرب ويُدنيه من حضرته. إن لله عباداً إذا وحدوه أعطاهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت من المواهب والتجليات في هذه الدار.

الولاية قد تكون بشيخ وبغير شيخ
ولقد اختار القوم العارف الرباني الذي يرشد السالكين ويربي المريدين، فهو باب الوصول إلى أعلى درجات القُرب والقبول قال تعالى: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} سورة الكهف 17. فالمرشد أساس في طريق الله. قال بعض الصالحين:
لا يكتفي بالوصفِ في المسيرِ*** فالوصفُ لا يُغني عن الخبيرِ
جابَ طريقَ الحقِ ثم عادَ *** ليُخبر القومَ بما استفاد
على أن الولاية من غير شيخ تكون بتوفيق الله لعباده في أداء العبادات والانتهاء عند المنهيات ومحبة الخير والصدقات
والفهم في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والصالحين وهي الولاية العامة. وأعظم درجة في الولاية: هي درجة العبودية الحقة، أي أن العبد يكون تام الطاعة لله سبحانه وتعالى. لذلك قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} سورة الإسراء 1. فدرجة العبودية أشرف درجة عند الله. {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة يونس 62.
فالأولياء أضافهم لنفسه تشريفاً، لأنهم يستحقون هذا التشريف وهذا الثناء وهذه البشرى التي بشر بها الحق أولياءه في الدنيا والآخرة والجنة، لأنهم قوم تركوا كل ما نهى الله عنه، وقاموا بأوامره خير قيام ولا يُسمى الولي عند الله ولياً إلا إذا قام بأمر الله وانتهى عما نهاه عنده، فمن فعل بعض المنهي عنه فليس بولي لأن الولي يدخل في آية
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} سورة الإسراء 65. {عِبَادِي} نسبة تشريف. وقد سُئل (النبي) صلى الله عليه وسلم عن الولي فقال: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) . رواه أبو داود والضياء عن أبي أُمامة رضي الله عنه، فإنما هي ولاية الله ولا تنال بغير ذلك.

الولي :
هو الذي إذا رأيته يذكر الله وليس عنده غفلة ولا فضول ولا ما يخالف الأدب مع الحق. فتراه بين يدي الله، محفوظ اللسان والفرج والسمع، فلا يقول غيبة ولا يسمع منكراً {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} سورة الفرقان 72. أي قالوا قولاً كريماً، يصلحون حال من يمرون عليهم {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} سورة المؤمنون 3. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. {من حفظ ما بين لحييه ورجليه دخل الجنة} . رواه الحاكم والبيهقي.

الولي: عبدٌ حُفظت بشريته عن المخالفات، وصار قلبه خالياً من المكونات، لا يعرف غير ربه ولا يطلب كرامة ولا خرق
عادة قائم بالحق للحق، منزه عن السوى، مُعرض عن الغير، رحيم بخلق الله، عفو صفوح يلين قلبه لكل مسلم انفرد لله بالله، لا يقف مع عرش وفرش، ينفر من كل أمر لا يدنيه من حضرة الله يوم القيامة قوي في إيمانه فلا تأخذه في الله لومة لائمٍ، وصار في المعية الكبرى ليس ببخيل، سهل صعب. والولي يحكم على خياله في الليل فلا يجعله يرى رؤيا ليست صالحة، ولا ينال هذه المرتبة إلا الصادقون. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة 119.

منزلة الأولياء :
وأهل الولاية هم الذين تخرق لهم العادات والنواميس، أولئك {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة يونس 64. {لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ} سورة الزمر 34.
ولقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن البشرى فقال: {هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له} أخرجه البخاري والنسائي. وذلك عند نزول آية البشرى المتقدمة وقيل أن البشرى عند موت المؤمن، لأنه إذا حضرته الوفاة جاءته الملائكة تقول له: يا عبد الله أبشر وفي الحديث القدسي {ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه} أخرجه البخاري. وفي الحديث الشريف {إن من عباد الله من لو اقسم على الله لأبره} متفق عليه. أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة. {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة يونس62. أراد أن يبين الله منزلة الأولياء فقال {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} لا يترك بهم بلاء في هذه الدار يمس إيمانهم أو إسلامهم أو عقائدهم.. لا خوف عليهم في هذه الدار ولا في القبر ولا عند القيامة {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} لا يحزنون على خلفهم فإن الملائكة تقول له عند الموت {يا عبد الله، إن الله يبشرك بالجنة ولا تحزن على خلفك} . فإذا خفت أيها الإنسان على ذريتك فأتق الله، يحفظهم من بعدك، فإن رسولكم العظيم مات والده وهو في بطن أمه، وماتت أمه، ومات جده فكفله الحق وأدبه الحق ورباه الحق وعلمه الحق
{أدبني ربي فأحسن تأديبي} رواه ابن السمعان عن ابن مسعود رضي الله عنه.

اختفاء الأولياء بين الخلق :
يُخفي الله الأولياء رحمة بأهل البلاد، فلو أظهرهم ولم يُطاعوا حدث المقت لأهل البلد وهذا من رحمة الله بخلقه لا يصل إليهم من نظروا إليه بعيون قلوبهم ولا ينظرون إلا بإذنه. كما قال ابن عباد: من رحمة الله أنه أخفى بعض الأولياء عن العامة رحمة بهم، وبعض العارفين لا يعرفهم أحد وهذا من رحمة الله حتى يظنوا في بعضهم الخير، فمن رأى عارفاً بالله على أنه شخص عادي سقط من عين الله، لأنه صاحب خصوصية، ومن أجل هذا احتجب كثير منهم رحمة بالخلق. فأولياء الله كثيرون ولكن يخفيهم الله خوفاً على الناس من الاعتراض عليهم فينالهم المقت من ربهم، لعدم طاعتهم وإعراضهم وهذا من رحمة الله بخلقه، وهناك أولياء لا يظهرهم الله إلا بعد موتهم وآخرون يظهرون في الدنيا وهناك من لا يظهرهم مطلقاً وإن الله يغضب لغضبهم ويفرح لفرحهم.